الترجمة كقضية للفلسفة-أحمد القصوار /المغرب
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
بيت الحكمة

الترجمة كقضية للفلسفة

  أحمد القصوار    

منذ البدايات الأولى للفلسفة ولمحبة الحكمة؛ كما تترجم أحيانا إلى العربية، كانت الترجمة قضيتها المركزية، مثلما كانت محركها الذي ضمن لها تجديد حصاد الغلة الفلسفية، حتى ولو اختلفت الأجناس أو تعددت الملة. كان بيت الحكمة العربي الإسلامي صمام أمان حفظ الفلسفة الإغريقية من الانقراض. جاءت الترجمة العربية لتحيي الكلمات والمعاني وتعيد إنتاج الأفكار والدعاوى بلسان عربي مبين.
التقت لغة العرب بلغة الإغريق. بعد سقراط وأفلاطون وأرسطو، صعد نجم فلسفة عربية إسلامية لم تكن لتوجد لولا المثاقفة بفضل الترجمة. جاء الكندي والفارابي وابن سينا.. إلى أن أصبح بن رشد قمة «انصهار» الفلسفة في الترجمة وتحول الترجمة إلى فلسفة جديدة مزيدة ومنقحة. صارا روحين؛ مصطلحين؛ عالمين.. حلا بدنا.
في الفلسفة المعاصرة، صارت العلاقة بين الفلسفة والترجمة أكثر استشكالا. كتب المفكر المغربي عبد السلام بنعبدالعالي: «إننا نستطيع أن نقول إن قضية الترجمة اليوم، هي بلا منازع قضية الفلسفة، لا بمعنى أن الفلسفة تنزع الحق من غيرها في الاهتمام بها، وإنما بمعنى أن الترجمة أصبحت اليوم هي هم الفكر في محاولته لإعادة قراءة تراثه وتجاوزه».
لقد سلك عدد غير قليل من الفلاسفة المعاصرين طريق الترجمة لابتداع فلسفاتهم ونحت مفاهيمهم الفلسفية. فكروا في الترجمة في صلب تفكيرهم الفلسفي: والتر بنيامين ومارتن هايدغر وجاك دريدا.. أصبح الموقف من الترجمة موقفا فلسفيا.صار موقفا في الفلسفة ومن الفلسفة.لم لا، وكل موقف من الترجمة يستتبع ويتضمن موقفا/مواقف فلسفية من اللغة والكتابة والمعنى والذات والأصل والنسخة والقراءة والمثاقفة..
لقد وضعت الفلسفة المعاصرة الترجمة في قلب انشغالاتها، كما أصبحت ترجمة الفلسفة فلسفة قائمة بذاتها، حيث فتحت أفاقا تنأى عن وهم الأصل أو البحث الميتافيزيقي عن المعنى المراد. أصبحت الترجمة في أحيان كثيرة مثيرة للجدل والنقاش وموسعة للأفاق الفلسفية أكثر من النص الفلسفي «الأصلي». وتعد الفلسفة الفرنسية المعاصرة مثالا دالا على «حلول» الفلسفة في الترجمة والترجمة في الفلسفة. ترجم الفرنسيون الفلسفة الألمانية ونجحوا في اختلاق فلسفة/فلسفات من الترجمة وبالترجمة.من ينكر أن فوكو ودولوز وجواتاري وباديو.. رضعوا من ثدي الفلسفة الألمانية «الأصلية» أو المترجمة وحققوا «الاستقلال الذاتي» عن «الأصل الألماني» في رحلة طويلة لتقويض الميتافيزيقا.
هذا هو حال الفلسفة اليوم.كتب بنعبد العالي في كتاب «في الترجمة»: مقابل البناء تحاول الفلسفة اليوم فك البناء، مقابل بناء البرج وبناء اللغة الواجدة والمعنى الواحد والهوية الواحدة، تضع الفلسفة اليوم التفكيك وفك البناء والبلبلة والترجمة والاختلاف والتعدد.. فليس من الغرابة، إذن، أن تتحدد إستراتيجية التفكيك بإستراتجية الترجمة، وأن تصبح الترجمة قضية الفلسفة، ويغدو الفكر تحويلا للميتافيزيقا وترجمة لها».



  بيت الحكمة
  أحمد القصوار /المغرب (2010-09-16)
Partager

تعليقات:
أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

الترجمة كقضية للفلسفة-أحمد القصوار /المغرب

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia